برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


رسالة ملطخة بالدم

+3
شيرين كامل
عبدالله السماوي
براءة حسين
7 مشترك

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرسالة ملطخة بالدم

more_horiz
تجولت بين عشرات الجرحى بالمشفى ، حتى وصلت إلى سريرٍ يتمدد عليه شاب ، بصعوبة عرفت انه عسكري فقميصه الأخضر صبغته دماءه المنهمرة بغزارة اللون الأحمر ، أرتجفت وأنا أنظر إاليه ، من أين أبدأ؟!
لا أدري ماذا حصل لي، كل ما درسته لسنوات بكلية الطب نسيته بتلك اللحظات ، شاب ملطخ بالدم من رأسه حتى أخمص قدميه ، لا شيء به واضح سوى عينيه الخضراوتين ، اللتان فتحمها فجأة ونظر بعيني مباشرةً ، بلحظةٍ أوقفتا به أنفاسي ، تدراكت نفسي والتفت إالى حقيبتي ، هممت بفتحا فاستوقفني صوته : " ماذا ستفعلين؟... كيف ستنقذيني؟!
لقد جئتك وقد وقع علي الموت أقسى توقيع له !!"
تمتمت بذهول : كيف أنقذك؟!
تلمس جيبه وأخرج رسالة وألقاها بيدي بعد أن لطخها بالدماء التي تغطي يديه ،قال بصعوبة : عديني أنها ستصلها
أمعنت بالرسالة للحظات ثم هتفت : أعدك!
بعدها أيقنت أنني ألقيت وعدي على جثة هامدة ...
قضيت الليل وأنا أمعن بالرسالة ، لم يكن على الظرف أية اسم ، فقط عنوان لبيت باحدى قرى درعا الشرقية ، الطريق من دمشق إلى درعا محفوف بالمخاطر ، ولكني عزمت على الذهاب ، علي أن أنفذ وصيته الأخيرة
كان علي أن أنهي بعض الالتزامات للمشفى أولاً ، أستغرق الأمر مني نحو شهرين ونصف ، أنطلقت بعدها بذات صباح بسيارتي ، كل ما خطر ببالي هو أنني فقط " مجنونة " لخروجي برسالة لا أعرف ما بها من شخصٍ لآخر لا أعرف أيّاً منهما !
ولكن كل ما يحدث ببلادي الآن يدفعني للجنون بخطواتٍ واثبة !
وفي الطريق لهناك ، وبعد أن أجتزت حاجز عسكري لجيش النظام بلحظات على مشارف قرية خربة غزالة ، رأيت أمامي مقاتلين من الجيش الحر ، أوقفت السيارة وانبطحت بداخلها ، علقت بمنتصف الاشتباك ، الجيش النظامي من خلفي والجيش الحر من أمامي ، وأنا أعاني بالمنتصف ، تماماً كباقي أفراد الشعب السوري ، تكسر زجاج سيارتي الأمامي والخلفي ولتفادي الرصاص المتبادل فوق رأسي أخفضته وجسدي قدر المستطاع بين مقاعد السيارة والمقود ، دامت الاشتباكات قرابة الساعتين ، تشنج جسدي ، وبلعت ساعتين من الرعب بصعوبة بالغة ، انتهت المعركة ، أردت أن أعرف من "المنتصر" ولكنني لم أستطع ، شعرت بالدوار ،وأغمي علي جراء الذعر الذي قبض قلبي لساعتين ، استييقظت بعدها لأجد نفسي بسريرٍ داخل ثكنة عسكرية ، إذاً انسحب الجيش الحر هكذا تمتمت وأنا أحاول التنفس بصعوبة ، أقترب مني أحد الجنود وسألني : هل أنتِ بخير؟
أجبته بصوت خافت : نعم
أردفت بعدها : لقد اصطدم رأسي بالمقود وأغمي علي
ردَّ علي مبتسماً : حقاً؟! ..يعني أنتِ لم يغمى عليكي جراء الخوف ، بربك سيدتي ، كان صوت صراخك بتلك السيارة يعلو صوت ر صاصنا
قلت بغضب : انتم من جعلني أعاني بتلك السيارة!
أشعل سيجارته وهو يردد ساخراً :"أعاني"
ثم أكمل : أحقاً تعانين؟ ... أنت لا تعرفين شيئاً عن المعاناة كما نعرفها نحن جيداً ، الشوق الموجع يتفشى بأجسادنا يوماً بعد يوم ، أشتاق لأمي لأبي لأخوتي لأصدقائي ، إلى راحة ... إلى نوم هنئ لم نعرف طعماً له منذ عامين اثنين ، أصبحت أشتاق حتى إلى أسخف التفاصيل ، كفنجان قهوة على شرفة ، أو غفوة على أريكة
ثم أمعن بالنافذة ، ضحية لم يرى وجه قاتله أبداً يتوق بحرقة إلى أن يعرف من الجاني بكل هذا..

خرجت لسيارتي وأنا أتلمس الرسالة بجيبي ، تأملت السهول التي كانت ملئى بيومٍ من الايام بحقول القمح الذهبية فتشع تحت أنوار الشمس لتملأ قلوبنا بالبهجة ، أرضٌ منحتنا من خيراتها ، أطعمتنا وسقتنا ، ولم يسقها أبناء سوى الدم!
حوران هو المكان الذي ترعرعت فيه ، أعيش الآن بدمشق ولكن ذلك لم يمحي تلك الهوية ولا تلك الذاكرة ، كل ما يسري بعروقنا هو الزيتون هو أزهار الربيع، هو سهول خضراء على مد النظر ....
توقفت سيارتي عند العنوان ، عندما طرقت الباب فتحته لي فتاة متشحة بالسواد ، نظرت إلى عينيها الخضراوتين وكأني أنظر إلى عيني ذلك الشاب ، لقد أخبرتاني بأنهما لم يتذوقا طعماً للنوم منذ أيام ، كل ما فيها يجعلني أدرك أنها مفطورة القلب ، دخلت لبيتها ،جلست قبالتها بإرتباك ، لم أدرِ كيف أبدأ ، قلت لها بعد امعان : أنت تعرفين ماذا حصل لذلك العسكري؟..
ردت بأسى : ياسين ؟ ... نعم ، كنت بقطعته قبل أسبوعين ، أخبروني هناك بأنه قتل
قلت :أتعرفين كيف مات؟
ردت : يكفيني أنني عرفت كيف عاش ، كان ملاكاً ، عشقت كل ما به بكل ما بي
مددت إليها برسالته ،وقلت لها :هذه الرسالة أعطاني أياها قبل وفاته
أخذتها وقرأتها بذهول ، ثم فاضت عيناها بالدمع ، كان الصمت هو أبلغ لغة لتعبر عن ذلك الوجع الفظيع بداخلها ، خرجت من هناك وأنا حزينة على ذلك القلب المفجوع على حبيبه ، رحيله يقودها للجنون كما كان وجوده يفعل!

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
القديرة

براءة حسين

كانت رسالة ملطخة بالدم واللوعة فعلا

رغم جمالها الادبي

تقديري لادبك الرائع .

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
عبدالله السماوي كتب:
القديرة

براءة حسين

كانت رسالة ملطخة بالدم واللوعة فعلا

رغم جمالها الادبي

تقديري لادبك الرائع .

آه يا سيد عبدالله ، رسائلنا كلماتنا أجسادنا كلها ملطخة بالدماء بوطنٍ لا ينفك عن النزيف
أشكرك وتقديري لك

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
رسالة مطهرة بالدم
موشومة بالعشق واللوعة
رغم تعالي صوت النحيب فيها إلا ان ذورة الوصف اوصلتني إلى دمع بالفعل

تحيتي لك براءة ولحرفك الراقي


descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
البرق اللامع
براءة حسين

قصة واقعية باسلوب جذاب وحكائية انتقائية مشهدية جاءت محسوبة بدقة في كل سطر وعبر التصاعد الزمني والانفعالي حتى وصولها لذروة الدالة المتوخاة في العنوان

ابدعت بل واكثر

تقديري

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
شيرين كامل كتب:
رسالة مطهرة بالدم
موشومة بالعشق واللوعة
رغم تعالي صوت النحيب فيها إلا ان ذورة الوصف اوصلتني إلى دمع بالفعل

تحيتي لك براءة ولحرفك الراقي



نورتي كلماتي بتعليقك
القديرة شيرين كامل شكرا لك

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
محمد سوادي العتابي كتب:
البرق اللامع
براءة حسين

قصة واقعية باسلوب جذاب وحكائية انتقائية مشهدية جاءت محسوبة بدقة في كل سطر وعبر التصاعد الزمني والانفعالي حتى وصولها لذروة الدالة المتوخاة في العنوان

ابدعت بل واكثر

تقديري

اشكرك على قرائتك العميقة سيدي
نورت

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
هكذا يموت العشاق
بارض الياسمين المكلل بالدم
والنهايات القاسيه
نص لامس الجرح وأكثر

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
ناظم العربي كتب:
هكذا يموت العشاق
بارض الياسمين المكلل بالدم
والنهايات القاسيه
نص لامس الجرح وأكثر

عزيزي ناظم
قرائتك وتعليقك يعنيان لي الكثير
أشكرك

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
مشيت معها احاذي الالم
واردد

خفقات

الحرف النابض

كوني بخير

descriptionرسالة ملطخة بالدم Emptyرد: رسالة ملطخة بالدم

more_horiz
وطن ملطخ بالدم
لكن إلى متى
كل شيئ وله نهاية
ارجو من الله أن يترأف بنا
لم كل الحروب تكون في بلادنا
لم نقتل بعضنا
نعرف انهم يريدون قتلنا ف لم نقتل بعضنا؟



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى