برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


descriptionالمركَّب الإبداعي Emptyالمركَّب الإبداعي

more_horiz
المركَّب الإبداعي
بقلم/عبد الحافظ بخيت متولي
باتت اللغة في عصر العولمة تعيش اشتباكات جديدة، معقدة ولا نهائية. وكما نعلم ففي البيت الواحد، قد تتواجد أكثر من لغة وثقافة، وقلما هناك بيت يحكي ويقرأ ويكتب بنفس اللغة. هناك لغة يحكيها الفرد، لغة يقرأها ويتعلم بها ومنها، لغة يحلم بها، لغة يستخدمها في المطعم.. ولاشك أن كل هذا يؤثر على طريقة تفكيره وكتابته وكيفية تأثره وتأثيره في المحيط، وقد يكون ذلك خياراً واعياً أو صراعاً للتعايش وتحقيق توازن ذاتي يخدم مدنية المجتمعات في خاتمة المطاف.
ثمة اغتراب يولد ويتعاظم منذ أن يفقد الإنسان لسانه الأول، بيته الأول. يدون الشاعر ويكتب كي يجد البيت، كي يجد الطريق إلى البيت، كي يتواصل مع الآخر، ماضيه وحاضره. وعلى الضفة الأخرى من جناح اللاوعي تشتغل الذاكرة وتفتح ملفات الطفولة لتقول من أنا/ من أنت/ من هي/ من هو/ من نحن / كيف نفكر، ما الذي يخيفنا، ما الذي نكرهه وما الذي يوقظ القصيدة لتعلن أبجدية شعرية على المسافة الفاصلة مابين الحرية والضحية ولسان القاتل والمقتول.
في كتاب نقدي " الناقد الأسود، ماذا سيقدم؟" صدر عام 2003، يعرض موضوعا أدبياً يخص الكتابة وما يدور في إبداعات العرق الأسود في كندا. يعرض الكتب حوارات ومقالات تركز على العبودية وانعكاسها على روح الشعوب وآدابها. يقول الكاتب الكندي الأسود جورج اليوت كلارك: " العبودية جردتنا من لغتنا، من ديننا. هم قالوا: لا تعزف موسيقاك! ولكن بطريقة أو بأخرى استطاع السود استعادة الكثير من ثقافاتهم الأصلية وقوتها. ببساطة أنت لا تستطيع أن تدمر في الإنسان كل شيء. وأعتقد أن ذلك شيء يجب الاحتفاء به".
ومن المؤكد أن العمل الأدبي يبقى ظاهرة عضوية متكاملة وعضويتها بالضرورة تقتضى أن يكون التأثير الجمالي مرتبطا بها كوحدة كلية لا تقبل التفتيت حتى لا تفقد جوهرها وتماسكها , وتعلقا بها ككيان قائم وموجود, وليس كمشروع مفترض, وإذا كنا نقبل التفرقة بين اللغة باعتبارها مجموعة من الأعراف والقواعد التي يتم التصرف اللغوي في إطارها والكلام باعتباره الطريقة التي تتجسد من خلالها تلك الأعراف والقواعد في موقف بعينه ولوظيفة بعينها ,فإننا في المقابل ينبغي أن نقبل التفرقة بين وحدات اللغة الأدبية وهى لا تزال مادة صماء , وبين هذه الوحدات بعد أن تتخلق نسقا حيا في العلاقات والتراكيب والأنظمة, فهي في الوضع الأول في حالة غياب جمالي مطلق على حين في الوضع الثاني هي رهينة حضور جمالي محتمل, كما أن عطاءها الأدبي في المرحلة الأولى لا وجود له أو هو ليس موجودا إلا بالقوة والتحايل بينما هذا العطاء في المرحلة الثانية موجود بالفعل.
فإذا انتقلنا من الأدب في عمومه إلى الظاهرة الشعرية بشكل خاص نستطيع أن نكتشف نوعا من التوازي الجميل بين علاقة اللغة بالكلام وعلاقة الشعر بالقصيدة , فالشعر باعتباره صورة ذهنية مجردة لا يتجاوز ما نعرفه من تقاليد فنية في الإيقاع والصياغة , والقصيدة في إطارها القولى تحتذي منظومة هذه التقاليد وتتصدى لها بالحذف أو التعديل وربما كان الشكليون الروس ومن استلهم مذهبهم يضعون أعينهم على هذه الحقيقة وذلك حين نادوا بان لغة القصيدة هي محاولة لإحياء الكلمة وإنعاشها والقصيدة حين تتمثل في هذا النسق الكلى الحي من العلاقات والأنظمة اللغوية تطرح افتراضا معينا للرؤية باعتبارها عملا إبداعيا لا يمكن تصوره إلا على نحو تركيبي خالص , لأنها تصدر من المبدع إنما تصدر كاملة البنية ومستقلة التكوين وهى بالنسبة له رسالة مركبة تتواكب عناصرها الصوتية والتركيبية والإيقاعية في سياق إبداعي لا يخضع لمنطق التعاقب فلا يتعامل المبدع مع كل عنصر من عناصر القصيدة منفردا. فهو لا يؤلف بين أصوات الكلمة ثم يتوقف ريثما يراجع دلالتها ثم يتوقف ثانية ليتخير صيغها الصرفية والنحوية وموقفها التركيبي في الجملة ثم يوائم بينها وبين قوانين الإيقاع الشعري وغير ذلك بل إنه من خلال الممارسة الإبداعية يعالج كل هذه المستويات دفعة واحدة وبطريقة مركبة بحيث يبدو العمل الشعري في النهاية وكأنه وليد زمن إبداعي واحد.
غير أن الزمن الإبداعي لا ينطبق بالضرورة على زمن التلقي فإذا كان الشاعر يتعامل مع القصيدة على هذا النحو المركب فإن المتلقي يتعامل معها بوجهيها الزمني والتحليلي , فهو حين يتعامل معها يبدأ من الشكل الخارجي والذي يعنى مجموعة من الوسائل التي يمكن بواسطتها إبداع النسيج اللغوي والإيقاعي والجمالي للقصيدة وتناسب أجزاء العمل وتوازن السياق وتنظيم المادة الكلامية على هذا النحو يفضى بدوره إلى تنظيم البنية الداخلية للعمل الشعري من حيث بنية الدلالة المركزية في النص ومن حيث بنية الصورة الفنية الصادرة عن طاقة التخيل بدأ من العلامات المجازية الصغرى كالتشبيه والاستعارة ومرورا بالصورة الكبرى كالرمز والأسطورة وغيرها وانتهاء بالمحور الفكري للنص الشعري , وهذه البنية الداخلية تقوم بوظيفة النظام التحتى الذي تنتشر منه دلالات النص الشعري ومن هنا تصبح القصيدة الشعرية محصلة لوشائج من العلاقات الداخلية والخارجية تتبادل التأثير فيما بينها وتعمل على إبراز الرسالة الشعرية على نحو معين.
وهناك العديد من الدراسات الحديثة التي تتناول البنية الشعرية في ضوء ما تطرحه هذه البنية من دلالات إعلامية وتصويرية ويفترض هذا النوع من الدراسات أن العمل الشعري مركب إبداعي يبدأ من نواة دلالية ذات طبيعة إعلامية مباشرة ومن خلالها تتحدد هوية الموضوع ونوع المعلومة التي تقدمها إلى المتلقي, ولكن هذه الدلالة المباشرة تظل بعيدة عن إحداث الأثر الفني المنشود ما لم تكتمل بدلالة أخرى ذات طابع وجداني وتصويري محض وحين تنمو الدلالة الأولى وتتعقد مكوناتها وتنداح في الدلالة الأخيرة نكون بذلك قد حصلنا على ما يمكن أن نسميه المركب الإبداعي
والمركب الإبداعي بشكل عام يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة هي
* المثير الفني *الطاقة التعبيرية *الطاقة التخيلية
أولا : المثير الفني
المثير الفني هو ذلك الإطار الأيدولوجى الذي يريد المبدع أن يضمنه نصه , وهذا المثير يرتبط بالضرورة بمستوى ثقافة الشاعر وميوله الفكرية وإنجازاته الثقافية التي تحدد اطر أعماله الإبداعية ورؤيته لهذا الواقع من حيث العمق أو السطحية , وهذا المثير يختلف من شاعر إلى آخر ربما نحو رؤية واقعية أو تخيلية واحدة فالكثير من الشعراء كتب عن الحرب – مثلا – لكن درجة المثير عند كل منهم كانت مختلفة وفق الرؤية وعمق النظرة ومركزية الثقافة التي يعيشها ووفق توجهاته الفكرية والإنسانية ولا شك أن تقليد المثير أو تقليد التقليد يجعل الشاعر يركن إلى مستوى نمطي في التعبير يتميز بالضيق وقد يصل إلى السطحية فالبوصيرى كتب في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم- وفق مثير معين طازج ومعظم من كتبوا في مدح الرسول بعده اعتمد على نفس المثير وقلدوه فكانت نصوصهم سطحية وباهتة ولكن التجديد والتنويع في المثير يرتبط بقلق التجربة الإبداعية وتقمص الحالة – على تعبير الناقد الجميل عبد الله جمعة- وكذلك عبقرية الشاعر في تنويع زوايا الرؤيا في هذا العالم المتشابك من حوله وإعادة صياغة هذا العالم وتفكيك أجزاءه وإعادة تشكيله في إطار فني ينبع من زاوية الإبداع عن الشاعر , هذه الزاوية التي لا تنقل الواقع الفج المباشر كما هو ولا تنقل فكرا محددا وتجعل منه مطلقا إبداعيا وذلك لأننا إذا قصرنا الإبداع على مجرد التصوير المباشر لحقبة تاريخية بعينها أو وضع اجتماعي بعينه ولم نصعده من خلال منظور شمولي ومتجدد مات الإبداع ولم يبق منه شئ.
ثانيا : الطاقة التعبيرية
من المعروف أن اللغة الشعرية هي الوعاء البراق الذي يصب فيه الشاعر رؤاه الكونية لهذا العالم , وهى لغة تتمرد على دلالتها المعجمية وتنحرف مجازيا بما يجعلها لغة تفجيرية قلقة لا تثبت على صياغة واحدة أو حقل تركيبي بذاته , وكذلك فاللغة الشعرية هي الطاقة التعبيرية التي يوظفها الشاعر لتحمل رسالته الإبداعية الكلية إلى مطلق الفضاء من حوله , وهذه اللغة تتميز بالتوتر الدائم بين الثابت والمتغير من وسائل الصياغة بين الموروث من أعراف اللغة الشعرية ومناهجها في الأداء أو الجديد المكتسب مما تفرضه طبائع تغير الثقافات وحاجات المجتمع اللغوية الجديدة والإطار المحدد للثقافة العامة والخاصة التي تحدد ماهية الطرح الشعري وشكول خطابه المختلفة في حين تأتى بصماته التعبيرية الخاصة به وكأنها صدع في جدار اللغة أو كان مفرداتها خلقت للتو وكأنها لم تكن موجودة من قبل.
وإذا كانت الدلالة الشعرية لا تأتى معزولة عن المعطيات الأسلوبي والبني الشعرية على مستوى الوحدات الصغرى أو الكبرى فان المبدع الحقيقي هو الذي لا يركن إلى نمط أدائي ثابت في أعماله مهما بلغ هذا النمط من التفرد والخصوصية وقد يطمئن الشاعر إلى وسائل مقنعة في عمل
إبداعي معين ثم يكتشف أن هذه الوسائل نفسها غير مقنعة في عمل إبداعي آخر ومن ثم يظل المبدع في حالة جدلية مستمرة مع أدواته يضيف إليها ويمحو منها ويغير فيها بحيث تصبح طاقاته التعبيرية متجددة دائما ولا يقع في غواية الإشكال الجاهزة أو القوالب التي يصب فيها صبا أو الشكل الأحادي بل يجب عليه دائما مراجعة وسائلة التعبيرية مع مستهل كل تجربة إبداعية جديدة
وعلينا أن نعى تماما أن الشكل وحده هو عبارة عن مقاطع صوتية فارغة لا تحمل أي مضمون ولكن قدرة الشاعر وموهبته هي التي تملأ هذا الشكل بالمضمون الجيد , والطاقة التصويرية هي التي تحيل هذا الشكل إلى تيمات شعرية حية ونابضة وتمنح التجربة الشعرية صفة الخلود والبقاء والانتقال من زمن إبداعها إلى أزمان أخرى وبنفس حيويتها
ثالثا: الطاقة التخيلية
تعتمد بنية الصورة الشعرية على مبدأي الانتخاب والتكثيف وعنى بذلك دقة انتقاء العناصر المكونة للصورة دون تزايد أو استرسال وقدرة الشاعر على المزج بين هذه العناصر وتوظيفها لإحداث الدلالة التصويرية في أعمق مستوياتها ومقتضى ذلك أن نجاح الصورة لا يقاس بمدى انبساطها أو تراكم أجزائها بل بقدرتها على تركيز الدلالة وتكثيفها فهي كاللوحة في الفن التشكيلي تتضافر فيها كل العناصر الفنية لتخرجها وحدة جمالية مقنعه تجذب النفوس دون تشوه
أو خلل

descriptionالمركَّب الإبداعي Emptyرد: المركَّب الإبداعي

more_horiz
أغنيت البرق بموضوع ثر
لابد لكل اديب ان يلتفت اليه ويستقي من نوره

مايشد عزمه لابداع اكبر

مبدع انت يا استاذنا

لك الامتنان والتقدير

descriptionالمركَّب الإبداعي Emptyرد: المركَّب الإبداعي

more_horiz
قرأت هنا درراً نفيسةً
تحمل في جنباتها رونق الأدب الأصيل
موضوعك ثر جدا غني بمادته الفكرية

شكرا لك وأنتظر المزيد هطولاتك أستاذنا

إجلالي

descriptionالمركَّب الإبداعي Emptyرد: المركَّب الإبداعي

more_horiz
قرأت اليوم ما أوردته سيدي الكريم

بإمعان وإهتمام

لك جزيل الشكر على هذه القطعة الثرية بالمعرفة الحقيقية تجاه المادة المطروحة

لك كامل التقدير

descriptionالمركَّب الإبداعي Emptyرد: المركَّب الإبداعي

more_horiz
دراسه معمقه وثريه
ويحتاجها كل من نذر نفسه لهذا الطريق الرحب
شكرا لك لهذا الحضور الباسق
لك تحيه واهلا بك



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى