أخذنا في الحلقة السابقة الليل وما يحمله من معان في تراتيل أنثى ، ولم تكتف شاعرتنا بإبراز الليل كسمة لوقت الوحدة والألم بل نراها تزيد من التركيز على ما بعد الغروب بوقت جديد هو (( المساء )) والمساء عادة مرتبط بوقت متأخر نسبيا وهي تربط هذا الوقت بعدد من الأحداث التي تكاد تكون من الدراما المشهدية وهو يعد من احد الاساليب الادبية في التكرار والاطناب في ذكر هذا المشهد الذي يسري على ما بعد الغروب .
ان هذه المساءات تحمل أحداثا ارادت الشاعرة كعادتها ان تلفها بنوع من الرمزية فهي ترى هذا المساء في احدى طلاته عليها بذلك المساء الذي تناغيها فيه ذكريات قريب ما ؟؟؟ بل من المؤكد انه قريب جدا !!! على قلب شاعرتنا حيث كانت تقضي تلك الأوقات معه :

ناغى قلبي
مساءات وجدك
( مقطع من القصيدة 22 تسول )

وهذا المقطع يشابه الى حد بعيد قولها :

ساترنمك اغنية
في كنف الليل
( مقطع من القصيدة 16 اليه )

فهي تجعل من هذا ( القريب ) مناغيا يسليها لتقضي هذه الأمسية معه ، وهذه إحدى المشاهد التي تجعلها الشاعرة معبرة عن احد المعاني وهو معنى يكاد يكون قريبا من المتأمل .
وهذا المساء كما يحمل معه ذلك الوجد الذي يناغي قلب فاطمة الفلاحي الا انه لا يخلو من امور اقتضبت الشاعرة في ذكرها بل ارادت ان تمر منها سريعا رغبة منها بنسيانه وهي تتناسى بمساءات وجد ( القريب ) فهي ترغب من اعماق قلبها بهذا السلو ، انها احدى القصص المؤلمة التي تشير اليها شاعرتنا :

وخيانة المساءات
( مقطع من القصيدة 8 عطاياي )

فالخيانة قد ارتبطت بعدد من الأمسيات فهي لم تقل ( وخيانة المساء ) لان العبارة الأخيرة لا تدل على معنى واقعي بل العبارة الاخيرة دالة على معنى رمزي ، ولكن عبارتها صريحة بتكرر خيانة واقعية من المقربين اليها وايا يكن هذا القريب، المهم انها خيانة آلمت هذا القلب الرقيق مما جعله يترنح في تيهه ويبدي لها الامور بصيغة المجهول الذي اغتالته احدى الايادي الخفية في هذه المساءات الجارحة والتي لا تستطيع شاعرتنا ان تلملم جراحها وتنسى ما حدث بل يزيد في شعورها بالالم مضافا لما مرت به من آلام وأحزان ووحدة وفراق وبين هذه الاحداث لا تجد الشاعرة بدا من ان تقول :

تتمردني المساءات
( مقطع من القصيدة 3 بين نفسي ونفسي )

وكما حدث لشاعرتنا مع الليل يحدث ويتكرر مع المساء فها هي مساءات الشاعرة مساءات متمردة قاسية لا تسيطر الشاعرة عليها بل يكون المساء هو السيد المطلق على فاطمة وهو صاحب الامر والنهي عليها فاذا به قنبلة تحطم هذا الكيان الحالم الممتزج بتلك الانوثة الغضة

تتشظى بها احلامي والمساءات
( مقطع من القصيدة 19 سفر الاحزان )

انها شظايا الغدر والالم ، الوحدة وتلك الاغنيات والوجد المحمول بين ثنايا تلك الروح التي كتي عليها ان تجعل من خيالها عالما برمته لا يشاركها فيه احد الا نفسها عزلة فرض عليها الحدث ان تتقوقع فيها ، وان تجعل من نفسها شرنقة تابى التفتح .
فالزمن عند فاطمة الفلاحي رمز لهذه المعاناة التي ارتبطت بعدد من الاحداث وهي قد استخدمت عواطفا واخيلة جمة لتصل بنا الى نفسها عبر اختيار الشكل المناسب الذي وفقته لخدمة المعنى .
وهكذا وجدنا المساء تتخيله الشاعرة كمارد وهو من التشبيهات البليغة، وكانها باسلوبها التصويري تجعل من هذا المساء كائنا مشخصا كداب كبار الشعراء...
ونسال : وما نهاية تلك المساءات يا شاعرة ؟؟
فتجيبنا بلا تردد

احمل الروح
صوب انتهاء المساءات
( مقطع من القصيدة 2 يمارسني الصحو )

ويا له من مشهد رائع في شكله مؤلم في معناه ، انك ترى من ذلك الكيان الرقيق وهو يحمل تلك الروح الشفافة ، مستسلما لذلك المارد ، ويقدم اليه اعز شيء انها روح الشاعرة ، التي لم يكن بامكانها سوى الاستسلام.
لقد نجحت فاطمة الفلاحي في خلق جو مشحون بالعاطفة ومملوء بالخيال من خلال ما استعرضناه من مقاطع .
وهل انتهت الازمنة عند شاعرتنا ؟
كلا أيها المتأمل ، بل انتظرنا في الحلقة القادمة لنتعرف على الفجر في تراتيل انثى فهو وقت يبدو فيه ان الناس نيام مستغرقون في رؤاهم .
وشاعرتنا ليست منهم !!!