من كتاب رسالة الملائكة للتنوخي المعري

القول في المسألتين اللتين ذكرهما النحويون



من قولهم أزيبداً ثم يضربه إلا هو وأزيد لم يضرب إلا اياه جعل النحويون المنفصل في هذا الباب من الضمير بمنزلة الاجنبي فقالوا أزيداً لم يضربه ألا هو كما قالوا أزيداً لم يضربه إلا عمرو وهذا بين واضح لأنهم جعلوا ما قرب إلى الاسم أولى به وإذا قالوا أزيد لم يضرب الا اياه فكأنهم قالوا أزيد لم يضرب إلا عمرا فارتفاع زيد في إحدى المسالتين بفعل مضمر يفسره الفعل الذي بعده وانتصابه كذلك والتفسير فيما ظهر من الفعل وقال قوم يرفع على الابتداء ويتصل بهذه المسألة انهم لا يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضرب نفسه وقليل في كلامهم زيد ضرب اياه لانهم استغنوا بنفسه عن ذلك ولانه كان الأصل إن يتعدى فعله إلى الهاء ثم انهم رفضوه كما رفضوا غيره مما فيه لبس لانهم قالوا زيد ضربه وهم يريدون ضرب نفسه لا لتبس بقولهم زيد ضربه وهم يريدون الكناية عن غائب فينبغي أن يجرئ اياه في المسألة مجرى الاجنبي وكذلك هو لانا لو وضعنا في موضعهما أجنبيين لصلح الكلام فكنا نقول أزيد لم يضرب إلا عمراً وهذا كلام لا خلاف في حسنه وكذلك نقول أزيدا لم يضربه إلا عمرو فلا مرية في جوازه وإنما يقوى المنفصل ها هنا لأن حرف الاستثناء حال بينه وبين ما قبله فالمسألتان واضحتان ليس فيهما اشكال.



القول في المسألة التي ذكرها أبن كيسان في كتابه المهذب






وهو قوله هذا هذا هذا هذا أربع مرات فذكر على قول الكوفيين إن الأولى تقريبٌ والثانية مثال و هو اسم الفاعل والثالثة فعلٌ والرابعة مفعول وهذه المسالة بينة وأما قوله تقريب فهو من قرب الشيء كقولهم من كان يريد الماء، فهذا النهر، ومن كان يريد الكسوة فهذه البرودُ ومنهُ، قول جرير:



هذا ابنُ عُمي في دمشق خليفةٌ ... لو شئت ساقكم إلي قطينا

وقوله مثالٌ يريد أنه على معنى التشبيه الذي أسقطت منه مثل كما تقول زيدٌ عمروٌ أي مثل عمر ثم يحذف فكأنه يريد هذا مثل هذا أي نائب منابه وقوله هو اسم الفاعل كلام صحيح وليس مراده به ان الفعل تقدمه كما تقدم في قولك قام زيدٌ وانما يريد به أن الفعل وقع منه ولا يُبالي أمتقدما كان أم متأخرا كما انك إذا قلت زيد ضرب عمرا فزيد اسم الفاعل وإن كان مرفوعا بالابتداء وقد بان أمر المسألة فيما ذ كر وهو جلي لا يفتقر إلى إطالة وقد يقع في الكتب الفاظُ مستغلقةُ فمنها ما يكون تعذر فهمه من قبل عبارة واضع الكتاب لأنه يكون مستورا على ما بعده من الألفاظ وعلى ذلك جاءت عبارة سيبويه في بعض المواضع ومنها ما يستبهم لأن صاحب الكتاب يكون قاصدا لإبهامه ويقال إن النحويين المتقدمين فعلوا مثل ذلك ليفتقروا اليهم في إيضاح المشكلات ومن ألفاظ الكتب ما يستعجم لتصحيف يقعُ فيه فان الحرف ربما زاغ عن هيئته فأتعب الناظر وشغل قلب المفكر وربما كان الكلام قد سقط منه شيء فيكون الإخلال به أعظم ومعناه أبعد من الإبانة.



القول في قول الراجز






يا أيها الضب الخذوذان هذا البيت ينشد على أنه خاطب الواحد ثم خرج إلى خطاب اثنين وهو على معنى قوله رب أرجعون ومثل ذلك موجود إلا أن هذا البيت قبح فيه مثل ذلك لأن التثنية وقعت موقع النعت فتبين الخلل في اللفظ وإذا أنشدوا الخذوذان فاشتقاقه من الخذاذات وهي ما يقطع من أطراف الفضة والمعنى أن هذين الضبيين يحتفران فيقطعان الصخر والجندل كما تقطع الفضة، والضبّ معروف بالحفرو لذلك قالوا ضب دامي الأظافير، قال الشاعر:



كضب الكدى أدمى أنامله الحفر 



وإذا قيل الخذوذيان فهو تثنية خذوذى مأخوذ من الخذاء وهو الاسترخاء يقال وقعوا في ينمة خذواء وهي ضرب من النبت، أي قد طالت واسترخت ومنه قيل الخذا في الأذن ووزن خذوذ فعول ووزن خذوذى على رأي سيبويه فعوعل وعلى رأي غيره فعلعل وكلا الوجهين له مذهب و جهة.