الفعل وأقسامه، علامة
(ا) فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب.
كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ" "سَافَر" "رَجَع"، ... تدل بنفسها مباشرة (من غير حاجة إلى كلمة أخرى)... على أمرين.
أولهما: مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أو الرجوع، ويسمى: "الحَدَث"،
وثانيهما: زمن حصل فيه ذلك المعنى (أىْ: ذلك الحدث) وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهو زمن قد فات، وانقضى قبل الكلام.
(ب) وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع"... دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى (الحدَث) والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هو زمن صالح للحال، والاستقبال.
(حـ) وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ"... دلت كل واحدة على الأمرين؛ المعنى (الحدَث) وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل... فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا". فالفعل:
كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى (أىْ: حدث) وزمن يقترن به
وأقسامه ثلاثة: ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى: {تَبَاركَ الذى جَعَل فى السماء بُرُوجًا، وجَعَلَ فيها
ومضارع: وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى}، ولا بد أن يكون مبدوءاً بالهمزة، أو النون، أو التاء، أو الياء... وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة". وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعىّ فتضمّ، وكذا فى: المضارع المبنى للمجهول. أما المضارع: "إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها.
وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل: كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا}، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛ فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شىء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها.
وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً}، وقول الشاعر:
*أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو * فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ*
ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛ فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛ "تاء التأنيث الساكنة" مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها، أو: "التاء المتحركة" التى تكون فاعلا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به، (وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة).
وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضى؛ بل يكفى أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلا. مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛ فكلمة: "أقبل" و "نزلَ" فعل ماض، لأنه - مع خلوه من إحدى التاءين - صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ ... نزلتُ...
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل ماضى، وإنما هى: "اسم فعل ماض". مثل: هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا... ومثل: شتَّان المنصف والباغى؛ بمعنى: افترقا جدًّا. أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضى؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك.
ومما تقدم نعلم أن كلمتى: "نِعْم" (وهى: كلمة للمدح) "وبئس" (وهى: كلمة للذم) فعلان ماضيان؛ لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛ تقول: نعمتْ شهادة الحق، وبئست شهادة الزور، كما نعرف أن "ليس" و "عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين.
زيادة وتفصيل:
(ا) تاء التأنيث التى تلحق الفعل للدلالة على أن فاعله مؤنث إن كانت ساكنة لحقت بآخر الماضى، وإن كانت متحركة اتصلت بأول المضارع، مثل: هند تصلى وتشكر ربها. أما تاء التأنيث التى تلحق الأسماء فتكون متحركة؛ مثل: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، عظيمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف؛ مثل، (رُبّ، وثمّ، ولا...) تقول: رُبَّتَ كلمة فتحت باب شقاق، ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء؛ فيندم ولات حين نَدم.
(ب) هناك أفعال ماضية لا تقبل إحدى التاءين بحسب استعمالاتها الحالية، لا بحسب حالتها التى قبل هذا؛ مثل: "أَفْعَلَ" للتعجب، و"حبذا" للمدح. ومثل: (عدا، وخلا، وحاشا)، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلك الأفعال حين استعمالها فى الموضوعات المذكورة تصير أفعالا جامدة، تلازم حالة واحدة لا تتغير؛ كالأمثال العربية التى تلازم حالة واحدة، لا يطرأ على حروفها تغيير بالزيادة، أو النقص، أو تغيير الضبط؛ لهذا لا يمكن زيادة التاء فى آخرها ما دامت تؤدى هذه المعانى، ولكنها بحسب أصلها السابق على هذا تقبل التاء.
(حـ) يقول النحاة: إن تاء التأنيث الساكنة تظل ساكنة إذا وليها متحرك، مثل: حضرتْ زينب. فإن جاء بعدها ساكن كسرت - غالبًا - مراعاة للأصل فى التخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: كتبتِ البنتُ المتعلمة. إلا إذا كان الساكن ألف اثنتين فتفتح. مثل: البنتان قالتا إنا فى الحديقة.
هذا، وقد عرفنا فى ص 42 - حكم التنوين إذا جاء بعده حرف ساكن. وبقى حكم عام؛ هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده - مباشرة - ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين، أحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال.
والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير.
فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف نطقاً. لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: نحن عرفنا العلوم النافعة - الطلاب سألوا المولى أن يوفقهم - اسألى المولى الهداية.
ويجوز تلاقى الساكنين فى الوقف، وعند سرد بعض الألفاظ، نحو: كاف - لام - جيم - (راجع هذا بمناسبة أخرى فى جـ 4 عند الكلام على ما تختص به نون التوكيد)، أما فى غيرهما فيجوز بشرطين:
أحدهما: أن يكون الساكن الأول حرف مدّ، يليه حرف مدغم فى نظيره، (أى: حرف مشدد).
والآخر: أن يكونا فى كلمة واحدة. مثل عامة، خاصة، الضّالين، الصّادون عن الخير. وهذا متفق عليه. ويرى آخرون أن مثله ما هو فى حكم الكلمة الواحدة. على الوجه المشروح فى مكانه. المناسب من جـ 4 ص 139 م 143 باب: نون التوكيد.
وللمسألة بقية هامة فى "حـ" من ص 88 و 162 و 255.
(د) عرفنا أن كل فعل لا بد أن يدل - فى الغالب - على شيئين؛ معنى "حدث" وزمن. فالماضى له أربع حالات من ناحية الزمن:
الأولى: (وهى الأصل الغالب) أن يتعين معناه فى زمن فات وانقضى - أى: قبل الكلام - سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضى لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته: "قد" - وهى لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت - دلت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال؛ فمثل: "خرج الصاحبان" يحتمل الماضى القريب والبعيد، بخلاف: "قد خرج الصاحبان؛ فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضى قريبًا من الحال؛ بسبب وجود: قدْ، وإذا وجدت قبله "ما" النافية كان معناه منفيًا، وكان زمنه قريبًا من الحال؛ كأنْ يقول قائل: قد سافر علىّ، فتجيب: ما سافر علىّ؛ فكلمة: "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربا من الزمن الحالى، وجاءت كلمة: "ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحالىّ أيضًا، ولا سيما مع القرينة الحالية السابقة.
وكذلك يكون زمنه ماضيًا قريبًا من الحال إذا كان فعلا ماضيًا من أفعال "المقاربة"؛ (مثل: "كاد فإنه زمنه ماض قريب من الحال؛ بل شديد القرب من الحال، ليساير المعنى المراد - كما سيجىء فى باب أفعال المقاربة-.
الثانية: أن يتعين معناه فى زمن الحال (أى: وقت الكلام). وذلك إذا قصد به الإنشاء؛ فيكون ماضى اللفظ دون المعنى؛ مثل: بعت. واشتريت، ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التى يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى فى الحال، يقارنه فى الوجود الزمنى، ويحصل معه فى وقت واحد. أو كان من الأفعال الدالة على "الشروع". مثل: "طفق وشرع" وغيرهما مما سيجىء الكلام عليه فى باب: "أفعال المقاربة"
الثالثة: أن يتعين معناه فى زمن مستقبل (أى: بعد الكلام)؛ فيكون ماضى اللفظ دون المعنى - كالذى سبق - وذلك إن اقتضى طلبًا؛ نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء.
ومما يفيد الطلب: عزمت عليك إلا سافرت، أو: عزمت عليك لمَّا سافرت؛ بمعنى: أقسمت عليك ترك كل شىء إلا السفر فى المستقبل.
أو تضمن وعدًا؛ مثل: {إنا أعطيناك الكوثر}. فالإعطاء سيكون فى المستقبل، لأن الكوثر فى الجنة، ولم يجئ وقت دخولها.
أو عُطِف على ما عُلم استقباله، مثل قوله تعالى: {يَقْدُم قومِهَ يومَ القيامة فأوْرَدَهم النارَ}، وقوله تعالى: {يومَ يُنفَخُ فى الصور ففزعَ من فى السموات...}
أو تضمن رجاء يقع فى المستقبل، مثل: "عسى وأخواتها" من أفعال الرجاء الآتية فى باب: "أفعال المقاربة"، نحو: "عسىِ الله أن يأتى بالفتح...".
أو يكون قبله نفى بكلمة: "لا" المسبوقة بقسم، مثل: والله لا زُرتُ الخائن، ولا أكرمتُ الأثيم.
أو يكون قبله نفى بكلمة "إنْ" المسبوقة بقسم، مثل قوله تعالى: {إنّ الله يُمسك السمواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ولَئِنْ زالتا إنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بعده}. "أى: ما يُمسكهما!"...
أو يكون فعل شرط جازم، أو جوابه؛ مثل: إن غاب على غاب محمود، لأن جميع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضى الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلا خالصًا... فالفعل الماضى فى كل الحالات السالفة ماضى اللفظ دون المعنى.
الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المضى والاستقبال، ويتعين لأحدهما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية؛ نحو: سواء علىّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلا من قيام أو قعود فى زمن فات، أو ما سيقع فى المستقبل.
ولا فرق فى التسوية بين أن توجد معها "أم" التى للمعادَلة، كما مُثل، وألا توجد؛ مثل: سواءٌ علىّ أىُّ وقت جئتنى. فإن كان الفعل بعد "أم" المعادلة مضارعا مقرونًا "بلم" تعين الزمن للمضى بسببها؛ مثل: سواء عليهم أأنذرتهم أم لَم تنذرهم؛ لأن الثانى ماضى معنى؛ فوجب أن يكون الأول ماضى الزمن كذلك؛ لأنه معادل له.
أو وقع بعد أداة تحضيض؛ مثل: هَلاّ ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبيخ كان للمضى، وإن أردت الحث على المساعدة كان للمستقبل.
أو بعد: "كُلّما"، نحو قوله تعالى: {كُلَّما جاء أمةً رسولُها كذَّبوه} فهذا للمضى؛ لوجود قرينة تدل على ذلك، وهى الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالى عن أهل النار: "كلما نَضِجت جلودُهم بدَّلناهم جلودًا غيرها؛ ليذوقوا العذاب". فهذا للمستقبل؛ لقرينة تَدل على ذلك؛ وهى أن يوم القيامة لم يجئْ.
أو بعد حيث، نحو: ادخل الهرم من حيث دخل بانيه. فهذا للمضى؛ لأن الاستقبال يناقض صحة المعنى؛ إذ لا يعقل أن يدخل بانيه فى المستقبل وقد مات منذ آلاف السنين... بخلاف: حيث سرت راقب الطريق لتأمن الخطر؛ فهو للمستقبل.
أو وقع صلة؛ مثل: الذى أسس القاهرة هو: المعز لدين الله؛ فهذا للمضى، بخلاف: سيفرح الطلاب عقب ظهور النتيجة غدًا بنجاحهم إلا الذى رسب. فهذا للاستقبال لوجود كلمة: "غدا".
أو وقع صفة لنكرة عامة، نحو: رُب عطاء بذلتُه للمحتاج فانشرحت نفسى. فهذا للمضى، - لوجود: رُبّ - بخلاف قوله عليه السلام: "نضّر الله امرَأ سمع مقالتى فوعاها، فأدّاها كما سمعها". فهذا للاستقبال أى: يسمع؛ لأنه ترغيب لمن أدرك الرسول فى أن يحفظ ما يسمعه منه ويؤديه...
"ملاحظة": قد يراد من الزمن فى الفعل: "كان" الدوام والاستمرار الذى يعم الأزمنة الثلاثة، بشرط وجود قرينة تدل على هذا الشمول؛ نحو: كان الله غفورًا رحيما...
هذا تفصيل حالات الزمن فى الفعل الماضى.
* * *