برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


descriptionالرضا و القناعة  Emptyالرضا و القناعة

more_horiz
دخل الأب على ابنه الشاب وهو يتناول طعام إفطاره وهو شارد الذهن عابس الوجه‏,‏ تبدو عليه علامات الضيق والاكتئاب

فسأله‏:‏ ماذا بك؟ فأجاب الابن بعد تردد وإلحاح من الأب‏:‏ متضايق‏..‏ أشعر أن كل شيء حولي سيئ‏..‏ أشعر أن مستقبلي غير واضح‏..‏ بل هو مستقبل مظلم‏..‏ لا أشعر بالسعادة مطلقا‏..‏ فماذا بقي في هذه الحياة يدعو للرضا عنها؟

واستمع الأب جيدا إلى ابنه‏,‏ وتركه يفرغ ما بداخله من شحنات الغضب والسلبية حتى فرغ من كلامه‏,‏ فربت على كتفه وجلس بجانبه‏,‏ ثم بدأ كلامه معه قائلا‏:‏ يا بني إن العبد منا لا يدرك حكمة الله سبحانه وتعالي في تصريف الأمور‏,‏ فكم من خير فرحنا به ورقصنا له طربا فكان هو الشر بعينه‏,‏ وكم من أمر ظنناه شرا وأقمنا الدنيا ولم نقعدها من أجله فكان هو الخير بعينه وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون صدق الله العظيم‏.‏ فسبحان الله من تجلي في سماه يرزق ويكرم ويعطي‏,‏ فنعمه لا تعد ولا تحصي‏,‏ والتفت إلى ابنه يسأله وهو يجلس إلى جواره‏:‏ لقد سألت ما الذي يدعو إلى الرضا في هذه الحياة؟ هل تدري ماذا يدعو للرضا في هذه الحياة؟ تعال نسترجع معا نصف الساعة التي قضيتها منذ أن استيقظت وتناولت إفطارك حتى الآن‏.‏

لقد استيقظت يا بني من نومك وكنت دافئا ملتحفا في سريرك تحيط بك أربعة جدران وسقف بينما هناك من لا يجد حتى سقفا يؤويه‏,‏ فلتحمد الله على هذا‏,‏ ثم تحمده على أن رد إليك روحك بعد أن أمسك أرواحا أخري‏,‏ وتذكر قوله عز وجل‏ (‏ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى‏)‏ الزمر‏42.‏
فالنوم هو ميتة صغري‏,‏ وبذلك أعطاك المولي جل وعلا فرصة أخري لكي تعدل مسارك وتتوب إليه قبل أن تلقاه‏,‏ لتبعث على الإيمان والتوبة لأن المرء يبعث على ما مات عليه‏.‏

ثم فتحت عينيك على صوت جرس المنبه فنهضت من سريرك‏..‏ هل تعلم كم نعمة أنعم الله بها عليك خلال هذه الحركة التلقائية؟ لقد سمعت جرس المنبه فأيقظك بينما كنت تغط في نوم عميق‏,‏ فحاسة السمع هي الوحيدة من بين الحواس الخمس التي تعمل والإنسان نائم‏,‏ ثم أنك قد سمعت وغيرك أصم لا يسمع‏,‏ ففتحت عينيك ورأيت ضوء النهار فأبصرت وغيرك لا يبصر‏,‏ وانتفضت من سريرك لكي تدخل الحمام‏,‏ فاستجاب لك جسدك مع أن هناك من لا يتحرك إلا إذا حركه أو ساعده أحد آخر لأنه مشلول أو عاجز‏,‏ ولا يقوي حتى على وضع قدمه على الأرض‏,‏ يا بني انك تعيش في نعمة الله‏,‏ بينما المريض والعاجز يعيش في معية الله‏,‏ وإذا صبر فإنه سوف ينال أجره يوم القيامة دون أي حساب لأن هذا هو جزاء الصابرين‏(‏ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏)‏ فذلك هو العدل الإلهي‏.‏

تأمل جيدا أنك عندما أردت أن تقضي حاجتك قد استطعت أن تتحكم في نفسك‏,‏ ولم يحدث هذا لك بشكل لا إرادي يجعل من حولك ينفرون منك‏,‏ لقد أكرمك الله ودخلت إلى الحمام سائرا على قدميك‏,‏ وقضيت حاجتك‏,‏ وآه لو تعلم عظمة هذه النعمة‏,‏ فقد روي أن ابن السماك دخل على الرشيد يوما فاستسقاه‏,‏ فأتي بكوز فلما أخذه الرشيد قال له ابن السماك‏:‏ على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟ قال بنصف ملكي‏,‏ فقال له اشرب هنأك الله تعالي‏,‏ فلما شربها عاد فقال له أسألك يا أمير المؤمنين لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشتري خروجها؟ قال بجميع ملكي‏,‏ فقال ابن السماك‏:‏ إن ملكا قيمته شربة ماء وبوله لجدير أن لا ينافس فيه‏,‏ فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا‏.‏

ثم عاد الأب يعدد لابنه بعضا من النعم التي تحثه على الرضا خلال هذه نصف الساعة التي مرت به منذ استيقاظه وقال لابنه‏:‏ لقد غسلت وجهك وتوضأت وتطهرت‏,‏ وهناك من لا يجد مثل هذا الماء النظيف الذي يجب ألا تسرف في استخدامه‏,‏ وخرجت وصليت فاحمد الله على نعمة الإيمان‏,‏ فهناك من هم قلوبهم غلف الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم‏,‏ وطلبت إفطارك من والدتك‏,‏ فتحرك لسانك بما يريد مخك أن يقوله ويعبر عنه‏,‏ وهناك من لا يستطيع أن ينطلق‏,‏ وإذا نطق لا يستطيع التعبير عما يريد‏,‏ وإذا عبر لا يجد من يستمع إليه أو يفهمه‏,‏ وأتت لك والدتك بهذا الطعام وأخذت تأكله واستطعت أن تفتح فمك وتمضغ طعامك بأسنانك‏,‏ وغيرك لا يملكها‏,‏ فأحسست بطعمه واستسغته وإلا لما أكلته‏,‏ وهناك من لا يشعر بذلك لأنه يفقد حاسة التذوق‏,‏ وأخذت تبتلعه دون أن يحدث لك مكروه مع أن إصابة عصب واحد يمكن أن تجعلك غير قادر على المضغ أو البلع‏,‏ فيدخل طعامك في جهازك التنفسي فتشرق أو تختنق‏,‏ ثم إنك انفعلت وبدأت تقص على ما بداخلك وتلك نعمة يفتقدها الكثيرون ولا يستطيعون التعبير عما بداخلهم من مشاعر وأحاسيس‏,‏ ووجدت أيضا من يستمع إليك وتلك نعمة أخري‏..‏ ونعم أخري كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ‏(‏ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها‏)‏ صدق الله العظيم‏.‏

واعتدل الأب في جلسته وقال‏:‏ أتدري يا بني ما ينقصك؟ إن ما ينقصك هو نعمة الرضا فأنت دائما تبحث عن الرزق المادي أو الايجابي‏,‏ مع أن هناك الكثير من الرزق السلبي الذي منحك الله إياه ولا تشعر بوجوده‏,‏وهو ما يطلق عليه البعض البركة أو الستر الذي يجعل ما لديك يسترك ويكفيك‏,‏ فالرضا ينبغي أن ينبع من داخلك‏,‏ وتذكر أننا مخلوقون في هذه الدنيا في كبد‏(‏ لقد خلقنا الإنسان في كبد‏)‏ "البلد:4‏"، أي تعب ومشقة‏,‏ فيجب أن نتعامل معها في هذا الإطار ونصبر ونعمل ما علينا ونترك الباقي لله‏,‏ فما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال‏,‏وعندما يضيق بك الحال لا تقل يا رب عندي هم كبير ولكن قل يا هم عندي رب كبير‏,‏ وتذكر الحديث القدسي الرائع الذي يقول فيه رب العزة يا بن آدم‏..‏ عندك ما يكفيك‏,‏ وأنت تطلب ما يطغيك‏,‏ لا بقليل تقنع‏..‏ ولا من كثير تشبع‏..‏ إذا أصبحت معافى في جسدك‏,‏ آمنا في سربك‏,‏ وعندك قوت يومك‏,‏ فعلى الدنيا العفاء‏..‏ يا بني ادع الله دائما بقولك‏:‏ اللهم عرفنا النعمة بدوامها ولا تعرفنا النعمة بزوالها‏.‏

وحضن الابن أباه وقال‏:‏ الحمد لله الذي منحني إياك‏,‏ والحمد لله على نعمة الرضا‏,‏ والحمد لله على نعمة الحمد‏,‏ الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه‏.



 

الدكتور عبد الهادي مصباح

أستاذ أمراض المناعة بكلية الطب جامعة القاهرة

في مقاله المنشور بالأهرام حول قضية الرضا والقناعة .

descriptionالرضا و القناعة  Emptyرد: الرضا و القناعة

more_horiz

كان من أقوال الرسول ( ص )  " فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط "



وكان من دعاء الصالحين : " اللهم رضني بقضائك وصبرني على بلائك "

descriptionالرضا و القناعة  Emptyرد: الرضا و القناعة

more_horiz
إن قومًا طلبوا الغنى فحسبوا أنَّه في جمع المال، ألا وإنما الغنى في القناعة، 

طلبوا الراحة في الكثرة؛ وإنما الراحة في القلة، 

وطلبوا الكرامة من الخلق، ألا وهي في التقوى، 

وطلبوا النعمة في اللباس الرقيق واللين وفي طعامٍ طيبٍ، والنعمة في الإسلام الستر والعافية)


الزهد الكبير ــ البيهقي ــ ص 80

descriptionالرضا و القناعة  Emptyرد: الرضا و القناعة

more_horiz
[rtl]إن خير الغنى غنى النفس , [/rtl]


[rtl]وخير الزاد التقوى [/rtl]


[rtl]وخير ما ألقي في القلب اليقين , [/rtl]


[rtl]فارض بما قسم الله تعالى لك تكن أغنى الناس .[/rtl]

descriptionالرضا و القناعة  Emptyرد: الرضا و القناعة

more_horiz
بوركت على هذا النشر

descriptionالرضا و القناعة  Emptyرد: الرضا و القناعة

more_horiz
ديالا سعيد كتب:
بوركت على هذا النشر

بوركت يا صاحبة الحضور الدائم

حضورك مكلل بالياسمين .

حفظك الله .



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى