عندما نتحدث عن حقوق الانسان وثوابتها الحقيقية فلا بد أن نعرف ان من ثوابت ترسيخ هذه الحقوق هي وجود الديمقراطية المنبثقة من ارادة الشعب والتمسك بمفرداتها الصحيحة من اجل النهوض بواقع المجتمع ضمن اطار الدولة التي تحمي الحريات العامة وتعمل وفق النظام المؤسساتي المتقن بدستور يحمي حقوق المواطن بعيدا عن الاستبداد والتسلط والفردية التي تؤدي الى نظام شمولي وبالتالي حماية الفرد وصيانة كرامته ضمن مجتمع يتمتع بالحريات العامة عبر الاختيار المباشر من قبل الفرد لمن يمثله في قيادة بلده ويحمي مؤسساته ودولته وهذا ما يجعلنا نتيقن بأن العلاقة بين حقوق الانسان والديمقراطية هي علاقة تلازمية طردية وكل منهما يكمل الاخر بموجب أسس وثوابت عامة تنطلق من ارادة الفرد ضمن دائرته الخاصة، وارادة المجتمع ضمن الاطار العام للدولة ، لذلك علينا الاقرار بمفهوم التكامل او التوأمة الحقيقية بين كلا المفهومين وهو ما اعتمدته اغلب مدارس السياسة ومناهجها على مر العصور والأزمنة والتي أكدها العديد من الكتّاب والمؤرخين المعروفين كما هو الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي أكد أن حقوق الانسان والديمقراطية مفهومين مترابطين ويمكن من خلالهما ضمان حق الفرد في العيش والتخلص من الرق الذي كان سائدا فيما مضى وهو ما أشار اليه في كتابه ""العقد الاجتماعي"" حيث يشير الى المساواة الفعلية بين طبقات المجتمع لضمان هذه الحقوق فنقرأ في كتابه ((كون الإنسان صالحاً بطبيعته محباً للعدل والنظام، فأفسده المجتمع وجعله بائساً، والمجتمع سيء لأنه لا يساوي بين الناس والمنافع، والتملك جائر لأنه مقتطع من الملك الشائع الذي يجب أن يكون خاصاً بالإنسانية وحدها، فيجب أن يقضي على المجتمع إذن، وأن يرجع إلى الطبيعة، وهنالك يتفق الناس بعقد اجتماعي على إقامة مجتمع يرضي به الجميع، فيقيمون بذلك حكومة تمنح الجميع ذات الحقوق فتقوم سيادة الشعب مقام سيادة المُلك، ويتساوى فيها الناس وتنظم الثروة والتربية والديانة)) وهذه الالتفاتة من قبل رسو لطيفة ومهمة جدا لضمان حقوق الناس جميعا حيث ان اعتبار المساواة ركنا أساسيا لدولة قوية يسودها الحق والحقوق الرصينة لكل فرد من أفراد هذه الدولة وبطبيعة الحال هذا لن يحصل ما لم يتمتع المجتمع بديمقراطية حقيقية لها جذور صادقة من قبل السياسيين الحاكمين وبممارسة نظيفة من قبل الاحزاب السياسية في البلد وكذلك التطبيق الصحيح لهذه الديمقراطية من قبل عامة الناس ،، وعلى كل حال هناك ثلاثة أنواع أو أنماط ذات بعد فلسفي في واقع حقوق الانسان.


النمط الاول هو الخطاب العلمي الذي يعتمد التوجه الأكاديمي كالعلوم السياسية ويحدد منظومة حقوق الانسان بأنواعها وفئاتها وأجيالها .

اما النمط الثاني فهو الخطاب الأيديولوجي الذي يعتمده كل الثائرين والمناضلين السياسيين في حال أراد تغيير نظام حكم شمولي من خلال التثوير وتحميس الآخرين وهو ما يعتبر أداة ضد السلطة .

النمط الثالث هو الخطاب الفسلفي حيث التساءل فيه بشكل واضح كونه لا يعتمد النمط التقريري بل يخوض في عمق المشكلة من الناحية الفلسفية وإرساء المفاهيم الحقيقية لنمطية الخطاب.

من خلال ذلك نرى ان التلازم واضح في انسيابية العلاقة التلازمية بين حقوق الانسان والديمقراطية التي تعتبر كل واحدة مقدمة للأخرى مثلما تمنيات المرء في الحصول على الشهادة الدراسية فلا بد له أن يعمل بمقدماتها وهي العمل على ابذال الجهد في القراءة والتعلّم من أجل الوصول الى هدفه وهو نيل شهادته وذلك بالفعل ما ينطبق بشكل فاعل على اقرار حقوق الانسان التي لا بد لها من مقدمات مهمة وحيوية وهي اقرار الديمقراطية الحقيقية .


جواد كاظم الخالصي