هل أعاني من الضغط النفسي؟
هناك علامات بارزة تظهر مدى تعرضك أو أحد زملائك للضغط النفسي. من هذه العلامات علامات جسدية مثل: التعب العام والصداع, وتعرق اليدين, وأعراض جسمية مختلفة لاتتناسب مع تشخيص معين.
وعلامات نفسية مثل: القلق, واضطراب النوم, والحزن, وعدم القدرة على التركيز, أو الغضب, وتبدل المزاج بسرعة.
وأخيراً علامات سلوكية مثل: التفاعل المبالغ فيه مع الأحداث ,وكثرة المشاجرات لأتفه الأسباب, أو القيام بتصرفات مفاجئة وغير مدروسة, أو الانعزال عن الآخرين ,أو اللجوء الى الكحول أو المخدرات.
التأثير المدمر للضغط النفسي:
والآن دعونا نلقي نظرة سريعة على التأثير المدمر للضغط النفسي على جسم الانسانه:
الضغط النفسي ..وأمراض القلب وضغط الدم
من المعروف أن أمراض الشرايين القلبية هي القاتل الأول في العالم الغربي (يقف وراء 40% من مجموع الوفيات!) والمرعب في الأبحاث الحديثة أن نسبة حدوثها يتنامى في البلدان النامية.
وهذا بين وواضح, فلو قلبت ذاكرتك بين معارفك لتذكرت كم منهم مات ميتة الفجأة, أو شعر بألم صدري لم يمهله ساعات.
عوامل الوقاية من هذا المرض كثيرة ومنها التعامل مع الضغط النفس وتجنب ماعبر عنه العلماء بالسلوك من النمط
) (A).
يتميز هذا السلوك بثلاث مكونات:
1- سلوك عدواني كردة فعل لأي استفزاز.
2- الشعور بضيق الوقت حيث يناضل المرء من أجل تحقيق إنجاز أكبر في أقل وقت ممكن.
3- المنافسة المحتدمة مع الآخرين.
تواصلت البحوث حول هذا السلوك لتتوصل إلى نتيجة هامة؛ أو السلوك العدواني، والشك، وعدم الثقة بالآخرين، وحمل الحقد والإستياء، وكثرة الخصومات، وفورات الغضب المتكررة كلها تلعب دوراً مهما كعامل خطورة لتطور مرض الشرايين القلبية، ليس أقل أهمية من السكر وضغط الدم.
الأمر يكاد يتشابه في أثر الضغط النفسي على الإصابة بمرض ارتفاعٍ الضغط الدموي الذي يعتبره العلماء أيضاً من عوامل الخطورة الرئيسية لأمراض الشرايين القلبية. لكن اهتماماً أكبر صرف لصفة (كبت الغضب) في المواقف المشحونة حيث وجد تأثيرها الواضح على الإصابة بمرض ارتفاع الضغط، وبتقليلها لفعالية الدواء المخفض للضغط والذي يتناوله المرضى المشخصين أصلاً بمرض ارتفاع ضغط الدم. هذا بالإضافة إلى أن مرضى ارتفاع الضغط لديهم حساسية أكبر لأي شكل من أشكال الضغوط النفسية مقارنة بمن لم يصابوا بهذا المرض. كما أن عودة ضغط الدم إلى مستوياته الطبيعية بعد زيادة بسبب مشكلة نفسية تأخذ وقتاً أطول مقارنة بأي سبب آخر.
الضغط النفسي.. والسكر
مرض ارتفاع سكر الدم من الأمراض المزمنة واسعة الإنتشار، والمشكلة الرئيسية لهذا المرض هو الحاجة المستمرة إلى ضبط سكر الدم في مستويات معينة في سبيل تلافي مضاعفات هائلة لترسب السكر في أعضاء الجسم الداخلية. يأتي التأثير المدمر للضغط النفسي على مرض السكر عبر إفراز هرمونات معينة أثناء الشدة النفسية أهمها: (الكورتيزول) وَ (الإبينفرين) واللذان يعملان على زيادة سكر الدم! مما يجعل ضبط مستوى السكر في الدم أمر في غاية الصعوبة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبتعد المريض تحت تأثير ظروف الشدة النفسية عن نظامه العلاجي المتبع وخاصةً الحمية مما يزيد الأمر سوءاً.
الضغط النفسي.. والمناعة
شهدت
السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في علم المناعة النفسي العصبي والذي يهتم بتأثير النفس والعقل على مناعة جسم الإنسان ومقاومته للأمراض.. هذا العلم بدأ يفاجئنا بإجابات لأسئلة بقيت محيرة لمدة طويلة. فخذ مثلاً: هل لاحظت أنك تصاب بالزكام (الأنفلونزا) أكثر مما هو معتاد عليه في فترة ضغط نفسي (كما في الأيام الأخيرة لإنجاز مشروع هام أو في فترة تخضيرك لإمتحان مصيري أو غير ذلك)؟ بل أكثر من ذلك، إذ لابد أنك سمعت عن سيل من القصص التي تروي الشفاء المدهش من مرض مستعص كالسرطان عبر ترويج النفس وإدخال الطمأنينة عليها بوسائل متعددة مثل قراءة القرآن (هذا بالإضافة للبركة الخاصة بالقرآن أوالاستمتاع بالطبيعة أو غير ذلك. إذن كيف يمكن فهم هذه العلاقة.. وبكلمات مبسطة يشرح العلماء كيف أن الضغط النفسي يؤدي الى إفراز جملة من العوامل والهرمونات العصبية التي تنتهي الى زيادة هرمون (الكورتيزل) (Cortisol) والذي يعرف بتأثيره المثبط للجهاز المناعي. هذا الهرمون هو نفسه الذي يعطى للمرضى عند نقل الاعضاء اليهم بهدف منع رفض الجسم لهذا العضو عبر تثبيط الآليات المناعية. مع المستويات المرتفعة للكورتيزل يثبط عمل الخلايا المناعية المقاومة لأي غاز من الخارج كالجراثيم والفيروسات وغيرها.
الضغط النفسي... والسرطان
السرطان هو المسبب الثاني بعد أمراض الشرايين القلبية للموت في العالم الغربي. ربط العلماء بين الضغط النفسي والسرطان عبر الجهاز المناعي. وكما ذكرنا سابقاً في العلاقة الوثيقة بين الضغط النفسي والمناعة الخلوية في الجسم، يعتقد العلماء أن الضغط النفسي الشديد والمتطاول قد يؤدي الى نقص المناعة في مرحلة حرجة من مراحل تطور السرطان.
وعلى الرغم من قصور فهمنا لآليات التسرطن)، إلا أن عوامل كثيرة باتت واضحة التأثير على نشوء السرطان أو تدهور الحالة المرضية واستعصاءها على العلاج. من تلك الأسباب زيادة حدوث السرطان في العائلة الواحدة. هذا العامل لفت الإنتباه إلى دور الجينات كعامل معم في حدوث السرطان. لكن البحوث أثبتت فيما بعد أن تلك الزيادة كانت أيضاً بسبب تشابه نمط الحياة وما يتعرضون له من ضغوط نفسية بين أفراد العائلة. ومن العوامل المهمة أيضاً في مسار المرض هي الدعم النفسي والإجتماعي الذي يتلقاه المريض. حيث أثبتت بعض الدراسات التي أجريت على نساء أصبن بسرطان الثدي وجود علاقة واضحة بين ما تتلقاه المريضة من حب تطمين من قبل زوج أو أخ أو صديقة وبين مقاومتها للمرض وتحسن استجابتها للعلاج الفيزيائي ومنع حدوث الانتكاسات.
الضغط النفسي.. والأمراض النفسية
هناك علاقة وثيقة بين حدوث الأمراض النفسية مثل: الإكتئاب، والقلق، والخوف، وبين الضغط النفسي التي يتعرض له المرء (مثل الطلاق أو فقدان أحد الأحبة أو حتى الإنتقال من بيت لآخر). وقد رصدت التجارب تأثير الضغط النفسي على الهرمونات التي تؤدي بدورها إلى زيادة القلق أوالإكتئاب أو غير ذلك من الأمراض النفسية. بالإضافة إلى تأثير الضغط على الأعصاب في الدماغ حيث تقلل من كميتها وتشابكها مع بعضها وبالتالي تعرقل من وظائفها كالتفكير والإبداع وغير ذلك.
الضغط النفسي والجلد
يثير الضغط النفسي طيف واسع من الآفات الجلدية مثل حب الشباب والصدفية والإكزيما وغيرها. وهذا التأثير يشتد عند من لديهم أهبة للإصابة، أو يسئ إصابة حالية. هناك عدة عوامل تتشارك للإصابة بهذه الآفات. فالعمل إلى ساعة متأخرة وتناول الأغذية غير الصحية (مثل الوجبات السريعة) وقلة النوم والتمارين الرياضية كل هذه الأسباب بالإضافة لقلة المناعة التي تحدثنا عنها آنفاً تتشارك في إصابة الشخص الذي يتعرض للضغط النفسي بالأمراض الجلدية.
كيف نتعامل مع الضغط النفسي؟
هذه مجموعة من الإجراءات ستساعدك على التعامل مع أي شكل من أشكال الضغط النفسي:
*الخطوة الأولى والأهم أن تدرك أنك تحت تأثير ضغط نفسي، وأنه وراء شعورك بالتعب والإرهاق وخاصة الأعراض الجسدية كالصداع وشد العضلات وغير ذلك. حدد ما الذي يسبب لك هذا الضغط؟ لا تتجاهل الأحداث الصغيرة والتي تتراكم لتسبب ضغطاً هائلاً.
* احصل على راحة قصيرة لالتقاط الأنفاس، أجلس منفرداً وقم بمراجعة الموقف وأعد النظر فيه. اسأل نفسك: هل الطريقة التي تملأ بها وقتك، والهموم التي تشغل بها عقلك تتناسب مع ما يعنيك ويهمك في حياتك؟. هل تكرس وقتا إضافياً في ناحية من نواحي الحياة مثل العمل أو العائلة على حساب النواحي الأخرى؟.
* هناك نوعان من الأشياء لا يستحقان منا الإنزعاج بشأنها، تلك التي بوسعك أن تفعل شيئاً حيالها فما عليك سوى أن تحول انزعاجك إلى برنامج عمل، وتلك التي لا تستطيع أن تؤثر فيها فما عليك سوى قبولها كما هي. لذا قال أحدهم:
اللهم.. امنحي القوة لأغير الأشياء التي أستطيع أن أغيرها.. والقبول للأشياء التي لا أستطيع.. والحكمة في أن أفرق بينهما..
تذكر أن القلق والإنشغال يكونان مفيدان فقط عندما يدفعانا إلى العمل لمعالجة المشاكل التي تحتاج لحل.
* أتح فرصة للآخرين لمساعدتك. لا تقطع صلتك بأصدقائك المخلصين الذين يمنحونك الدعم والمساندة. تحث معهم عن المصاعب والمتاعب التي تمر بها. قد تكون مستثاراً ما تشعر به. وإن كنت بحاجة إلى وقت لتخلو إلى نفسك فاذكر لهم ذلك.
* تعلم قاعدة 20/ 80: والتي تقرر أن 20% من الأعمال تؤدي إلى 80% من النتائج المرجوة. حاول تحديد هذه الأعمال، واصرف وقتك فيها، وتحلل من بقية جدول أعمالك الطويل الذي يضيف عبئاً دون إنتاجٍ ذي أثر.
* الأمور غير المهمة: كثير ما نشغل عقولنا بما هو ثانوي وغير مهم. إننا نرى بعض الحوادث الصغيرة على أنها كوارث إذا نظرنا لها من منظور قصير الأمد. تماما كما نرى التلال الصغيرة وكأنها جبال ضخمة عندما نقترب منها. ولكن مع اعتبار عامل الزمن فسوف نكتشف أن هذا الأمر لا يستحق الإهتمام والإنشغال. ولذا اقترح أحد الكتّاب أن توجه سؤالاً لنفسكك هل سيعني هذا الأمر شيئاً بعد عشر أو عشرين سنة؟.
روى لي صديق كيف تعرض لضغط نفسي كبير عندما أجبرته الظروف على التوقف عن دراسته الجامعية لمدة سنة. كان يفكر بمقدار الخسارة التي خسرها. في ذلك الحين شكا لأحد أستاذته قلقه هذا فقال له كلمة ظلت محفورة في ذهنه إلى هذه اللحظة: لقد حصلتُ على الدكتوراه سنة 1977 م ولكن فكر معي ماذا يعني لي الآن لو أني حصلت عليها سنة 1978م! الفرق طفيف أو لا فرق. لذا لا تحزن على تأخير هذه السنة!.
* القناعات والمعتقدات
إذ تلعب المعتقدات والقناعات والأفكار التي نؤمن بها دوراً أساسياً في تشكيل الضغط والتوتر على من يعتقد بها. وهذه بعض الأمثلة للقناعات الخاطئة التي نجدها كثيراً عند مرضانا:
- إذا أردت أن تنجز شيئاً بشكل صحيح لابد أن تنجزه بنفسك.
- إما أن تؤدي العمل بشكل كامل أو لا تؤديه
- كل شيء يجب أن يسير وفق خطة محددة، وأي تغيير في الخطة هو دليل على الفشل.
وغير ذلك من القناعات والمعتقدات التي تصبح وبالاً على صاحبها. لذا راجع أهم معتقداتك.
* حافظ على الصلوات الخمس في مواعيدها.. اجعل لها أولوية. قم بأدائها في المسجد أو المصلى المتاح وليس في مكان العمل. حيث تعتبر هذه الصلوات منظمات طبيعية للوقت، تخرج المرء من جو التوتر والشدة النفسية بانتظام، فتخفف عنه آثارهما.
* أحذر من اللجوء إلى الكحول أو المخدرات أو كثرة التدخين سعياً لتخفيف الضغط الذي تتعرض له. لأنها- بالإضافة إلى تحريمها الربّاني- تعمل على التخفيف المؤقت الذي يتلوه زيادة تأثر أجهزة الجسم بالضغط النفسي.
* تعلم الإسترخاء: الإسترخاء بأشكاله المتنوعة فن يجب التدرب عليه. وهو يزود الجسم بالحظات من الهدوء الطاقة والحيوية لمواجهة صعوبات الحياة المتزايدة.
أخيرا: كن مع الله عز وجل. الجأ إليه سبحانه.. تذلل يديه.. استشعر حاجتك وفقرك إلى عظمته وقدرته ورحمته يمنحك الرضى والطمأنينة والسكون. فهو خيرٌ حافطاً وهو أرحم الراحمين.